احصائيات

عدد إدراجاتك: 9

عدد المشاهدات: 1,622

عدد التعليقات المنشورة: 0

عدد التعليقات غير المنشورة: 0

دفتري.كوم
تصفح صور دفتري تصفح اقتباسات دفتري تسجيل / دخول






Articles

مقال صناعة العبقريه

صناعة العبقرية
تعودنا في المدارس أن نعطي تقديرا مرتفعا للطالب المتميز في قدراته اللغوية والحسابية، وبذلك حددنا من يستحق التفوق والأولوية، لكن أين ذهبت بقية الملكات والقدرات الذكائية؟
تحدثنا في مقال سابق عن الذكاء وعرفنا أنه لا يوجد حتى الآن تعريف محدد متفق عليه للذكاء، وأن الذكاء بمفهومه العام يختلف من موقع لآخر، ومن بيئة لأخرى.. من المدرسة إلى العمل إلى الشارع إلى مجالات الحياة الأخرى، وأن ذلك حدا إلى تطوير نظرية الذكاءات المتعددة، التي تنسب للبروفيسور هاورد جاردنير عالم النفس الأميركي وأستاذ الإدراك والتعليم بجامعة هارفارد التي تعتبر من أهم النظريات السيكلوجية والتربوية المعاصرة التي جاءت كرد فعل تصحيحي للنظرة القديمة السائدة القائلة بأحادية الذكاء والمعرّف بالذكاء الرياضي والمنطقي، فقد أعاد البروفيسور هاورد جاردنير النظر جذرياًّ فيما يتعلق بالذكاء وآثاره على التعلم والتعليم، وقدم نظريته الجديدة التي تقوم على أساس تميُّز الفرد عن غيره، وأن كل إنسان يتميز بذكاء خاصٍ به.
وعرفنا أن الذكاءات متعددة ومتنوعة ومستقلة لدى المتعلم ويمكن صقلها وشحذها وتنميتها وتقويمها عن طريق التشجيع والتحفيز والتعليم والتدريب لتنمية المواهب وتحقيق العبقريات، منها الذكاء اللغوي، الذكاء الرياضي، الذكاء الفراغي أو التصويري أو البصري، الذكاء الشخصي، الذكاء الجسدي الحركي، الذكاء الاجتماعي، الذكاء الموسيقي، الذكاء الطبيعي، الذكاء العملي اليدوي. كما أنه استحدثت أنواع جديدة من الذكاءات مثل الذكاء العاطفي، الذكاء الروحي، الذكاء الحدسي (الحاسة السادسة)..
ووفق نظرية الدكتور أندروز أريكسون عالم النفس بجامعة فلوريدا الأميركية عن العبقرية، وبناء على الدراسات والأبحاث التي قام بها على مدى عشر سنوات، فإن أي فرد يمكن أن يصبح عبقرياًّ إن شاء ذلك، كما أن العبقرية يمكن تطويرها، فقد قام بتجربة قبل عشرين عاماً على مجموعة من الأشخاص في مختبره، وعمل على تطوير قدراتهم في مجال حفظ الأرقام العشوائية. والمتعارف عليه أن الشخص العادي يستطيع عادة حفظ سبعة أرقام عشوائية متتالية وترديدها، ولكن أريكسون استطاع زيادة هذه القدرة بعد عام من التدريب إلى ثمانين إلى مئة رقم متوالية.
ومما أكد ذلك ما قامت به الدكتورة ناثالي زوريو مازوير عالمة الدماغ بجامعة كان بفرنسا من تحديد مناطق الدماغ التي تفعّل عند عبقري رياضيات اسمه رود يجيرجام، الذي يستطيع حساب أي رقم أقل من مئة بعد ضربه في نفسه تسع مرات، حين قارنته بأناس عاديين يقومون بالنشاط العقلي نفسه أثناء الحساب، فوجدت أن الجميع يستخدمون اثنتي عشرة منطقة مشتركة في الدماغ أثناء الحساب، ولكن جام استخدم خمس مناطق إضافية، ثلاث منها أكدت البحوث العلمية أنها مرتبطة بالذاكرة طويلة المدى، وزالت الدهشة حين عرف بأن جام لم يولد بهذه القدرة الاستثنائية، بل كان شخصاً عادياًّ ولكنه بدأ في العشرين من عمره بتخصيص أربع ساعات يومياًّ للتدريب على العمليات الحسابية.
ومن الدراسات الأخرى دراسة قام بها عالم نفس مجري اسمه لازلو بولجار الذي ألّف كتاباً عنوانه "تربية عبقري" عن كيفية تربية العباقرة وأراد تحدي النظرية التقليدية في تعريف العبقرية، فقد قام هو وزوجته بتدريب بناته الثلاث على لعب الشطرنج حتى أصبحن كلهن من أفضل عشرة أبطال بالعالم في الشطرنج، وإحداهن أصغر من يحصل على اللقب العالمي (جراند ماستر) في تاريخ الشطرنج، مثبتاً أن التدريب وحده يمكن أن ينتج عباقرة في مجال معين.
ولكن هل كل طفل يتلقى التربية نفسها يمكن أن يصبح عبقرياًّ؟ بينت الدراسات أن الطفل يحتاج عاملاً رئيسياًّ وهو الرغبة الجامحة في التفوق، وهو شعور قد ينمو لدى الطفل أثناء الساعات المكثفة التي يبذلها للتدريب في موضوع معين.
إذاً الأهم هو القدرة على المثابرة والصبر والعمل.. موهبة القدرة على العمل والإنجاز، وهذه تشكل بالبيئة والظروف والتربية التي يتعرض لها الطفل في صغره. وهذا متوافق مع ما قاله العالم والمخترع الشهير توماس أديسون أحد أعظم عباقرة العصر الحديث في وصفه للعبقرية بأنها 1% إلهام و99% جهد مضن، حتى موزارت لم يكن ليصل إلى ما وصل إليه لولا التدريب المتواصل والجهد الكبير والعمل المضني والمثابرة والجد منذ نعومة أظفاره.
وهذا متوافق كذلك مع ما أكد عليه مالكوم جلادويل في كتابه (Outliers) من أن أي شخص يمكن أن يصبح مبدعاً وعبقرياًّ إذا اختار تخصصاً يحبه ووضع عشرة آلاف ساعة من التدريب عليه، وأسماها قاعدة العشرة آلاف ساعة. وبذلك فالقاعدة تؤكد أن أي إنسان إذا استطاع أن يحدد أي نوع من الذكاء يمتلك.. الموهبة والملكة التي يمتلكها وكرس عشرة آلاف ساعة في التدريب، فإن علامات العبقرية والنبوغ والإبداع ستظهر عليه لا محالة.
في عام 1999، قام العالم وليام ديكنز من معهد بروكنجز في واشنطن بوضع نظرية وجدت إجماعاً شبه كامل بين علماء اليوم. تقول النظرية إن من كانت لديه صفة جينية متوارثة تعطيه أفضلية في مجال معين، فإنه سيبدع إذا سمح له بالاستمرار في ذلك المجال.
إن الحكمة التي طالما جعلها الفيلسوف سقراط شعارا له (اعرف نفسك) وقوله (ما نحن إلا ما نفعله مراراً وتكراراً)، فالإعاقة الحقيقية للإبداع والعبقرية هي إعاقة فكرية نفسية، هي الجهل بقدرات الإنسان وملكاته الطبيعية والتقاعس عن الاستثمار في تلك الملكات والمواهب الفطرية.
لقد وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الفاروق عمر بالعبقري، فقال (لم أر عبقرياًّ من الناس يفري فريه) أي لم أر سيدا يعمل ويقطع عملاً بإجادة كما يفعل عمر. لقد كان سر عبقرية عمر أنه رجل عمل يسبقه نظر وتقدير.
لقد تعودنا في المدارس أن نعطي تقديراً مرتفعاً للطالب المتميز في قدراته اللغوية والحسابية، وبذلك حددنا من يستحق التفوق والأولوية، لكن أين ذهبت بقية الملكات والقدرات الذكائية؟ قتلناها.. فهي خارج النطاق، نطاق الاهتمام والرعاية المدرسية، خاصة في مجتمعاتنا التي ترى الطاعة والخضوع والاستسلام قيماً تربوية، فيخضع أبناؤنا لرؤيتنا ويتفوقون فيما نريده لهم بصرف النظر عن قدراتهم وملكاتهم وما يحبون. وبدون هذا الحب لما يدرسون ويتعلمون ويفعلون، يصعب عليهم أن يستثمروا الساعات الطوال من التدريب كما تشترط قاعدة العشرة آلاف ساعة فلا يبدعون، ويقعون في الفخ الداخلي وهو التركيز على نقاط الضعف لإصلاحها وتجاهل نقاط القوة والاستثمار فيها.
لقد شاءت حكمة الله أن يخلق الناس متنوعين وأن يخلق داخل كل نفس قدرات مختلفة، وهذا يعطي الحياة ثراءً ونمواً وتفاعلاً وتكاملاً قال تعالى "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"، ولذلك جعل الله أوجه الذكاء متعددة ويسر لكل إنسان بما أودعه من ملكات، فالإبداع مشروط بمعرفة الإنسان نفسه (من عرف نفسه فقد عرف ربه)، ومعرفة ملكاته وإمكاناته ومواهبه التي حباها الله إياه وتكريس الوقت الكافي لصقل هذه المواهب الفطرية وتحويلها إلى عبقريات. إنها كما وصفها أينشتاين (كل إنسان عبقري ولكننا إذا حكمنا على السمكة بقدرتها على تسلق الأشجار، فإنها ستعيش طوال عمرها وهي تعتقد أنها غبية).. فكلٌ ميسرٌ لما خُلِقَ لهُ.


سماح محمد داري

اضافة تعليق


مسجل في دفتري
نص التعليق
زائر
نص التعليق

10:13م | 21 تشرين الثاني، 2014
لا شك ان الذكاء بمفهومه العام يختلف من موقع لآخر ومن بيئه لأخرى ومن شخص لآخر إذاً الأهم هو القدرة على المثابرة والصبر والعمل.. موهبة القدرة على العمل والإنجاز، وهذه تشكل بالبيئة والظروف والتربية التي يتعرض لها الطفل في صغره.( سماح محمد داري)